ببلاغة موشاة يؤرّخ “الأنصار والرّسول”                      

    الدعوة لكتابة التاريخ من جديد يختلف الداعون إليها نية وقصداً، فمما لا ريب فيه أن بين الدعاة من هم مخلصو النية مستقيمو القصد، وأن بينهم من هم مشبوهو النية، ملتوو القصد.

   وإذا كانت هذه الدعوة لم تنتج حتى الآن شيئاً بالرغم من اللجان التي ألّفت، والندوات التي عقدت، والأموال التي بذلت، فإن واحداً من مؤرخي هذا البلد لم ينتظر القرارات، ولا اعتمد على التوجيهات، بل أخذ على نفسه أن يعمل في هذا السبيل ما وسعه العمل.

   إن الدكتور ابراهيم بيضون أستاذ التاريخ الإسلامي في الجامعة اللبنانية ينهض اليوم بعبء كان له كفوءاً هو كتابة التاريخ من جديد، ومن يتتبّع ما خرج من كتاباته سواء على طريق المقالة أو طريق الكتاب، يوقن أن الرجل قد خلق لمهمة  كتابة التاريخ من جديد، وأنه عرف ما خلق له، فلم يضع نفسه، ولم يتنكب عن الطريق.

   لم يكن لا في القدامى ولا في المحدثين من تناول الموضوع تاماً، سواء فيما وراءه من خلفيات وما أحاط به من عوامل وما أسفر عنه من نتائج، وبذلك ظلّ هذا الموضوع الخطير ينتظر المؤرخ الذي يكتبه حتى كان لنا هذا الكتاب للدكتور ابراهيم بيضون (الأنصار والرّسول)، فسدت بذلك ثغرة تاريخية كان يجب أن تسد من زمن بعيد.

وإن من أفضل ما تتميز به كتابات الدكتور ابراهيم بيضون التاريخية عندما تنطوي على موضوع فج جامد، تجيء موشاة بالبلاغة البيانية فتسيغ القراءة وتغري بالمزيد.

وتجلّى ذلك أكثر ما تجلّى في كتابه الجديد.

حسن الأمين

جريدة النهار٢٠/١٢/١٩٨٩