يمثل الإمام محمد بن المهدي الشيرازي (1928-2001) عنواناً لمعركة حضارية انفجرت في أواسط القرن العشرين بين الإسلام والحداثة الغربية التي كانت تضم ثلاثة تيارات رئيسية اجتاحت المنطقة العربية والإسلامية وهي القومية والديموقراطية والاشتراكية، واتخذ الشيرازي في تلك المعركة موقف الدفاع عن الإسلام والتصدي لتلك التيارات، انطلاقاً من روح المحافظة على التراث ومقاومة الغزو الحضاري الغربي، حيث رأى الشيرازي في موجة الحداثة تحدياً للإسلام وتهديداً للمسلمين. وقد حفزت التيارات الديموقراطية والقومية والاشتراكية الإمام الشيرازي على التفكير بالرد الشامل والدعوة إلى تشكيل حكومة إسلامية وتأسيس حركة ثقافية تعمل من أجل هذا الهدف؛ إلى جانب حركات إسلامية عديدة (سنية وشيعية) انطلقت في تلك المرحلة وحملت هدف إقامة دولة إسلامية في العراق. ولكن الإمام الشيرازي امتاز عن غيره منذ البداية بامتلاك صورة خاصة عن الدولة الإسلامية وشروط القيادة فيها؛ حيث حصر الشرعية الدينية في القيادة المرجعية الدينية، ودعا إلى نظام ولاية الفقيه، قبل أن يطرح الإمام الخميني هذه النظرية بعشر سنين. وقد مزج الشيرازي في أطروحته السياسية بين الإسلام والتشيع، أو بالأحرى الفكر الإمامي ونظرية المرجعية الدينية التي اعتبرها امتداداً شرعياً لقيادة الأئمة المعصومين، واختلف بذلك عن حزب الدعوة الإسلامية بقيادة السيد محمد باقر الصدر الذي طرح نظرية الشورى والتنظيم الحزبي كاستراتيجية للوصول إلى الهدف، فحرّم الشيرازي التنظيمات الحزبية وخاصة السرية، ورأى فيها انقلاباً على القيادة المرجعية الدينية الشرعية وابتعاداً عن التراث الإمامي واستلهماً للفكر الغربي. ومهما يكن من أمر فإن الشيرازي ومع أنه دعا إلى الوحدة الإسلامية والحوار والتعاون بين الطرائف المختلف (الشيعية والسنية) على أساس الشورى؛ إلا أنه كان شديد الالتزام بالتراث الشيعي الإمامي الاثني عشري، بالرغم مما كان يبدو من تناقض ظاهر بين الدعوة للوحدة الإسلامية والتشبث بالهوية الطائفية؛ ولكن الشيرازي كان يعتقد بإمكانية الحفاظ على الهويات الطائفية الثقافية والاتفاق السياسي بينها على أساس الشورى، إلا أن التزام الشيرازي بنظرية ولاية الفقيه كامتداد لنظرية الإمامة الإلهية لأهل البيت، وكمصدر غيبي لشرعية السلطة، وحصر الحق في السيادة العلية بالفقهاء المراجع؛ ظلّ يشكل عقبة في طريق الوحدة الاندماجية بين الشيعة والسنة وتجاوز التراث الطائفي السلبي.
ويبدو أن الشيرازي كان بحاجة لبذل المزيد من الجهد والتفكير والاجتهاد لمراجعة نظرية ولاية الفقيه وأسسها التاريخية والعقدية، خاصة وأنها شهجت سلسلة طويلة من عمليات التطور والتنوع، ولا توجد أدلة كافية على وجود هذه النظرية في العصور الغابرة، كما لا توجد أدلة قوية على نيابة الفقهاء عن الإمام الثاني عشر الغائب، إضافة إلى وجود الشك في أساس وجود وولادة ذلك الإمام، هذا ما أورده المؤلف في هذا الخصوص وهذا ما كان مدار بحث بينه وبين الإمام الشيرازي في عام 1990، حيث كان المؤلف قد قدم دراسة نظرية حول الإمامة توصل من خلالها إلى عدم وجود الإمام الثاني عشر، وربما هذا حفّز الإمام الشيرازي على مراجعة الفكر السياسي الإمامي، وإعادة النظر في إيمانه بوجود الإمم الثاني عشر الغائب (محمد بن الحسن العسكري)؛ إلا أن أحداً لا يمكن أن يغفل أن الإمام الشيرازي قدم خلال الخمسين عاماً تجربة غنية ثقافياً وسياسياً، وقد كان قائداً لحركات إسلامية عديدة وصاحب مشروع سياسي كبير.
من هنا، جاءت هذه الدراسة حول فكر الإمام الشيرازي من خلال دراسة أعماله الثقافية والسياسية ومراجعة نظريته في ولاية الفقيه؛ وكذلك منهجه في الاستنباط والاجتهاد، ومحاولته الدمج بين التراث والحداثة-بين المرجعية الدينية والديموقراطية.

 

كتابة تعليق

انتبه: لم يتم تفعيل اكواد HTML !
    رديء           ممتاز
التحقق

المرجعية الدينية الشيعية... وافاق التطور (الامام محمد الشيرازي نموذجا)

  • دار النشر : الدار العربية للعلوم/لبنان
  • المؤلف : أحمد الكاتب
  • ISBN : 9789953871615
  • عدد الصفحات : 175
  • سنة النشر : 2007
  • عدد المجلدات : 1
  • نوع الغلاف : غلاف
  • حالة التوفر : متوفر
  • الوزن : 0.00000000
  • الأبعاد : X 17.00000000 X 24.00000000
  • $5.00

  • السعر بدون ضريبة : $5.00